فصل: الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم:

هؤلاء الملوك القياصرة المتنصرة من أعظم ملوك العالم وأشهرهم وكان الاستيلاء على جانب البحر الرومي من الأندلس إلى رومة إلى القسطنطينية إلى الشام إلى مصر والإسكندرية إلى أفريقية والمغرب وحاربوا الترك والفرس بالمشرق والسودان بالمغرب من النوبة فمن وراءهم وكانوا أولا على دين المجوسية ثم بعد ظهور الحواريين ونشر دين النصرانية بأرضهم وتسلطهم عليهم بأرضهم مرة بعد أخرى أخذوا بدينهم وكان أول من أخذ به قسطنطين بن قسطنطش بن وليتنوس وأمه هلانة بنت مخشميان قيصر خليفة ديوقاريان قيصر الثالث والثلاثون من القياصرة وقد مر ذكره آنفا وإنما سعى هذا الدين دين النصرانية نسبة إلى ناصرة القرية التي كان فيها مسكن عيسى عليه السلام عندما رجع من مصر مع أمه وأما نسبه إلى نصران فهو من أبنية المبالغة ومعناه أن هذا الدين في غير أهل عصابة فهو دين من ينصره من أتباعه.
ويعرف هؤلاء القياصرة ببني الأصفر وبعض الناس ينسبهم إلى عيصو بن إسحق وقد أنكر ذلك المحققون وأبوه وقال أبو محمد بن حزم عند ذكر إسرائيل عليه السلام كان لإسحق عليه السلام ابن آخر غير يعقوب واسمه عيصاب وكان بنوه يسكنون جبال السراة من الشام إلى الحجاز وقد بادوا جملة إلا أن قوما يذكرون أن الروم من ولده وهو خطأ وإنما وقع لهم هذا الغلط لأن موضعهم كان يقال له أروم فظنوا أن الروم من ذلك الموضع وليس كذلك لأن الروم إنما نسبوا إلى روملس باني رومة وربما يحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك للحرث بن قيس: هل لك في جلاد بني الأصفر؟ ولا حجة فيه لاحتمال أن يريد بني عيصاب على الحقيقة لأن قصده كان إلى ناحية السراة وهو مسكن بني عيصو قلت: مسكن عيصو هؤلاء كان يقال له أيذوم بالذال المعجمة إلى الظاء أقرب فعربتها العرب راء ومن هنا جاء الغلط والله تعالى أعلم وهذا الموضع يقال له يسعون أيضا والاسمان في التوراة.
قال ابن العميد: خرج قسطنطين المؤمن على مقسيمانوس فهزمه ورجع إلى رومة وازدحم العسكر على الجسر فوقع بهم في البحر وغرق مقسمانوس مع من غرق ودخل قسطنطين رومة وملكها بعد أن أقام ملكا على بيزنطية من بعد أبيه ستا وعشرين سنة فبسط العدل ورفع الجور وخرج قائده يسكن ناحية قسطنطينية وولاه على رومة وأعمالها وألزمه بإكرام النصارى ثم انتقض عليه وقتل النصارى وعبد الأصنام وكان فيمن قتل ماريادس بطرك بطارقة فبعث قسطنطين العساكر إلى رومة لحربه فساقوه أسيرا وقتله.
ثم تنصر قسطنطين في مدينة نيقيا لإثنتي عشر من ملكه وهدم بيوت الأصنام وبنى الكنائس ولتاسع عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بمدينة ونفى أريوس كما ذكرنا ذلك كله من قبل وأن رئيس هذا المجمع كان إسكندروس بطرك الإسكندرية وفي الخامسة عشر من رياسته توفي بعد المجمع بخمسة أشهر وقال ابن بطريق كانت ولاية إسكندروس في الخامسة من ملك قسطنطين وبقي ست عشرة سنة وقتل في السادسة والعشرين من ملك ديقلاديانوس وأنه كان على عهد أوسانيوس أسقف قيسارية قال المسبحي: مكث بطركا ثلاثا وعشرين وكسر صنم النحاس الذي هو هيكل زحل بإسكندرية وجعل مكانه كنيسة فهدمها العبيديون عند ملكهم إسكندرية وقال ابن الراهب: إن إسكندروس البطرك ولي أول سنة من ملك قسطنطين فمكث اثنتين وعشرين سنة وعلى عهده جاءت جاءت هلانة أم قسطنطين لزيارة بيت المقدس وبنت الكنائس وسألت عن موضع الصليب فأخبرها مقاريوس الأسقف: إن اليهود أهالوا عليه التراب والزبل فأحضرت الكهنونية وسألتهم عن موضع الصليب وسألتهم رفع ما هنالك من الزبل ثم استخرجت ثلاثة من الخشب وسألت أيتها خشبة المسيح فقال لها الأسقف: علامتها أن الميت يحيا بمسيسها فصدقت ذلك بتجربتها واتخذوا ذلك اليوم عيدا لوجود الصليب وبنت على الموضع كنيسة القمامة وأمرت مقاريوس الأسقف ببناء الكنائس وكان ذلك لثلمائة وثمان وعشرين من مولد المسيح عليه السلام.
وفي حادية وعشرين من ملك قسطنطين كان مهلك إسكندروس البطرك وولي مكانه تلميذه أثناسيوس كانت أمه تنصرت على يده فربى ابنها عنده وعلمه وولي بطركا مكانه وسعى به أصحاب أريوش إلى الملك بعده مرتين بقي فيهما على كرسيه ثم رجع وحمل قسطنطين اليهود بالقدس على النصرانية فأظهروها وافتتحوا في الامتناع من أكل الخنزير فقتل منهم خلقا وتنصر بعضهم فزعموا أن أخبار اليهود نقصوا من سني مواليد الآباء نحوا من ألف وخمسمائة سنة ليبطلوا مجيء المسيح في السوابيع التي ذكر دانيال أن المسيح يظهر عندها وأنها لم يحن وقتها وأن التوراة الصحيحة هي التي فسرها السبعون من أحبار اليهود ملك مصر وزعم ابن العميد أن قسطنطين أحضرها واطلع منها على النقص الذي قاله قال: وهي التوراة التي بيد النصارى الآن.
قال ثم أمر قسطنطين بتجديد مدينة بيزنطية وسماها قسطنطينية باسمه وقسم ممالكه بين أولاده فجعل لقسطنطين قسطنطينية وما والاها لقسطنطين الآخر بلاد الشام إلى أقصى المشرق ولقسطوس الثالث رومة وما والاها قال وملك خمسين سنة منها ست وعشرون بيزنطية قبل غلبة مقسميانوس ومنها أربع وعشرون بعد استيلائه على الروم وتنصر في اثنتي عشرة من آخر ملكه وهلك لستمائة وخمسين للإسكندر قال هروشيوش: كان قسطنطين بن قسنطش على دين المجوسية وكان شديدا على النصارى ونفى بطرك رومة فدعا عليه وابتلى بالجذام ووصف له في مداواته أن ينغمس في دماء الأطفال فجمع منهم لذلك عددا ثم أدركته الرقة عليهم فأطلقهم فرأى في منامه من يحضه على الاقتداء بالبطرك فرده إلى رومة وبرئ من الجذام وجنح من حينئذ إلى دين النصرانية ثم خشي خلاف قومه في ذاك فارتحل إلى القسطنطينية ونزلها وشيد بناءها وأظهر ديانة المسيح وخالف أهل رومة فرجع إليهم وغلبهم على أمرهم وأظهر دين النصرانية ثم جاهد الفرس حتى غلبهم على كثير من ممالكهم ولعشرين سنة من ملكه خرجت طائفة من القوط إلى بلاده فأغاروا وسبوا فزحف إليهم وأخرجهم من بلاده ثم رأى في منامه عربا وبنودا على تمثال الصلبان وقائلا يقول هذه علامة الظفر لك فخرجت أمه هلانة إلى بيت المقدس لطلب آثار المسيح وبنت الكنائس في البلدان ورجعت ثم هلك قسطنطين لإحدى وثلاثين سنةمن ملكه اهـ كلام هروشيوش.
ثم ولي قسطنطين الصغير بن قسطنطين وسماه هروشيوش قسنطش قال ابن العميد: ملك أربعا وعشرين سنة وكان أخوه قسطوس برومية بولاية أبيهما ففي خامسة من ملك قسطنطين بعث العساكر فقتل مقنيطوس وأتباعه وولى على رومة من جهته فكانت له صاغية إلى أريوش فأخذ بمذهبه وغلبت تلك المقالة على أهل قسطنطينية وإنطاكية ومصر والإسكندرية وغلب أتباع أريوش على الكنائس ووثبوا على بطرك إسكندرية ليقتلوه فهرب كما مر ثم هلك لأربع وعشرين سنة من ملكه وولي ابن عمه يولياش وقال هروشيوش بن منخمشطش قال: وملك سنة واحدة وقال ابن العميد: ملك سنتين باتفاق لثلاثة من ملك سابور وكان كافرا وقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس وأطرحهم من الديوان وسار لقتال الفرس فمات من سهم أصابه وقال هرشيوش: تورط في طريقه في مفازة ضل فيها عن سبيله فتقبض عليه أعداؤه وقتلوه.
قال هروشيوش: وولي بعده بليان بن قسطنطي سنة أخرى وزحف إلى الفرس وملكهم يومئذ سابور فحجم عن لقائهم فصالحهم ورجع وهلك في طريقه ولم يذكر ابن العميد بليان هذا وإنما قال: ملك من بعد يوليانوس الملك يوشانوش واحدة باتفاق في سادسة عشر من ملك سابور وكان مقدم عساكر يوليانوس فلما قتل اجتمعوا إليه وبايعوه واشترط عليهم الدخول في النصرانية فغلبوه وأشار سابور بتوليته ونصب له صليبا في العسكر ولما ولي نزل على نصيبين للفرس ونقل الروم الذي بها إلى آمد ورجع إلى كرسي مملكتهم فرد الأساقفة إلى الكنائس ورجع فيمن رجع أثناشيوش بطرك إسكندرية وطلب منه أن يكتب له أمانة أهل مجمع نيقية فجمع الأساقفة وكتبوها وأشار عليه بلزومها ولم يذكر هروشيوش يوشانوش هذا وذكر مكانه آخر قال: وسماه بلنسيان بن قسنطش قال: وقاتل أمما من القوط والإفرنجة وغيرهم قال: وافترق القوط في أيامه فرقتين على مذهبي أريوش وأمانة نيقية قال: وفي أيامه ولي داماش بطركا برومة ثم هلك بالفالج وملك بعده أخوه واليس أربع سنين وعمل على مذهب أريوش واشتد على أهل الأمانة وقتلهم وثار عليه بأهل أفريقية بعض النصارى مع البربر فأجاز إليهم البحر وحاربهم فظفر بالثائر وقتله بقرطاجنة ورجع إلى قسنطينية فحارب القوط والأمم من ورائهم وهلك في حروبهم.
وقال ابن العميد في قيصر الذي قتل واليس وسماه واليطنوس: إنه ملك اثنتي عشرة سنة فيما حكاه ابن بطريق وابن الراهب وحكى عن المسبحي خمسة عشر سنة وأن أخاه والياش كان شريكه في الملك وأنه كان مباينا وأنه ملك لستمائة وست وسبعين للإسكندر وسبع عشرة لسابور كسرى قال: وفي أيامه وثب أهل إسكندرية على أثناشيوش البطرك ليقتلوه فهرب وقدموا مكانه لوقيوس وكان على رأي أريوش ثم اجتمع أهل الأمانة بعد خمسة أشهر ورجعوه إلى كرسيه وطردوا لوقيوس وأقام أثناشيوش بطركا إلى أن مات فولوه بعده تلميذه بطرس سنتين ووثب به أصحاب لوقيوس فهرب ورجع لوقيوس إلى الكرسي فأقام إلى الكرسي فأقام ثلاث سنين ثم وثب به أهل الأمانة ورجعوا بطرس وما لسنة من رجعته ولقي من داريانوس قيصر ومن أصحاب أريوش شدائد ومحنا وقال المسبحي: كان واليطينوس يدين بالأمانة وأخوه واليش يدين بمذاهب أريوش أخذه عن ثاودكيس أسقف القسطنطينية وعاهده على إظهاره فلما ملك نفى جميع أساقفة الأمانة وسار أريوس أسقف أنطاكية بإذنه إلى الإسكندرية فحبس بطرس البطرك وأقام مكانه أريوش من أهل سميساط أو هرب بطرس من السجن وأقام برومة.
وكانت بين واليطينوس قيصر وبين سابور كسرى فتنة وحروب وهلك في بعض حروبه معهم وولي بعده أخوه واليش قال ابن العميد عن ابن الراهب: سنتين وعن أبي فانيوس ثلاث سنين وسماه والاس وقال: هو أبو الملكين اللذين تركا الملك وترهبا وسمى مكسينموس ودوقاديوس قال: وفي الثانية من ملكه بعث طيماناوس أخا بطرس بطركا على إسكندرية فلبث فيهم سبع سنين ومات وفي سادسة ملكه كان المجمع الثاني بقسطنطينية وقد مر ذكره وفي أيام واليش قيصر هذا مات بطرك قسطنطينية فبعث أغريوس أسقف يزناروا وولاه مكانه فوليه أربع سنين ومات ثم خرج على واليش خارج من العرب فخرج إليه فقتل في حروبه.
ثم ولي أغراديانوس قيصر قال ابن العميد: وهو أخو واليش وكان والنطوس بن واليش شريكا له في الملك وملك سنة واحدة وقال عن أبي فانيوس سنتين وعن ابن بطريق ثلاث سنين وذكر عن ابن المسبحي وابن الراهب: أن تاوداسيوس الكبير كان شريكا لهما وأن ابتداء ملكهم لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر وأنه رد جميع ما نفاه واليش قبله من الأساقفة إلى كرسيه وخلى كل واحد مكانه.
ومات أغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة قال ابن العميد وملك بعدهما تاوداسيوس سبع عشرة سنة باتفاق لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر ولإحدى وثلاثين من ملك سابور كسرى وفي سادسة ملكه مات أثناشيوش بطرك إسكندرية فولي مكانه كاتبه تاوفيلا وكان بطرك القسطنطينية يوحنا فم الذهب وأسقف قبرص أبوفانيوس كان يهوديا وتنصر قال: وكان لتاوداسيوس ولدان أرقاديوس وبرباريوس قال: وفي خامسة عشر من ملكه ظهر الفتية السبعة أهل الكهف الذين قاموا أيام دقيانوس ولبثوا في نومهم ثلثمائة سنة وتسع سنين كما قصه القرآن ووجد معهم صندوق النحاس والصحيفة التي أودع البطريق فيها خبرهم وبلغ الأمر إلى قيصر تاوداسيوس فبعث في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن يبنى عليهم كنيسة ويتخذ يوم ظهورهم عيدا قال المسبحي: وكان أصحاب أريوس قد استولوا على الكنائس منذ أربعين سنة فأزالهم عنها ونفاهم وأسقط من عساكره كل من يدين بتلك المقالة وعقد المجمع الثاني بقسطنطينية لمائتين وخمسين سنة من مجمع نيقية وقرر فيه الأمانة الأولى بنيقية وعهدوا أن لا يزاد فيها ولا ينقض وفي خامسة عشر من ملكه مات سابور بن سابور وملك بعده بهرام ثم هلك تاوداسيوس لسبع عشرة سنة من ملكه.
وأما هروشيوش فقال بعد ذكر واليش: وملك بعده وليطانش ابن أخيه فلنسيان ست سنين وهو الموفى أربعين عددا من ملوك القياصرة قال واستعمل طودوشيش بن أنطيونش بن لوخيان على ناحية المشرق فملك الكثير منها ثم هم أهل رومة على قائدهم فقتلوه وخلعوا وليطانش الملك فلحق بطودوشيش بالمشرق فسلم إليه في الملك فأقبل طودوشيش إلى رومة وقتل الثائر بها واستقل بملك القياصرة وهلك لأربع عشرة سنة من ولايته فولي ابنه أركاديش ويظهر من كلام هروشيوش أن طودوشيش هو تاوداسيوس الذي ذكره ابن العميد لأنهما متفقان في أن ابنه أركاديش ومتقاربان في المدة فلعل وليطانش الذي ذكره هروشيوش هو أغراديانوس الذي ذكره ابن العميد اهـ.
قال ابن العميد: وملك أركاديش ولد تاوداسيوس الأكبر ثلاث عشرة سنة باتفاق في ثالثة ملك بهرام بن سابور وكان مقيما بالقسطنطينية وولي أخاه أنوريش على رومة قال: وولد لأركاديش ابن سماه طودوشيش باسم أبيه ولما كبر طلب معلمه أريانوس ليعلم ولده فهرب إلى مصر وترهب ورغبه المال فأبى وأقام في مغارة بالجبل المقطم على قرية طرا ثلاث سنين ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديرا يسمى دير القصير ويقال: دير البغل وفي أيامه غرق أبوفانيوس بمرجعه إلى قبرص ومات يوحنا فم الذهب بطرك القسطنطينية وكان نفاه أركاديش بموافقة أبي فانيوس ودعا كل منهما على صاحبه فهلكا وفي التاسعة من ملك أركاديش مات بهرام بن سابور وملك ابنه يزدجرد.
ثم هلك أركاديش وملك من بعده طودوشيش الأصغر ابن أركاديش ثلاث عشرة سنة وولى أخاه أنوريش على رومة فاقتسما ملك اللطينيين وانتقض لعهديهما قومس أفريقية وخالفه إلى طاعة القياصرة فحدثت بأفريقية فتنة لذلك ثم غلب القومس أخاه فلحق بقبرص وترهب بها ثم زحف القوط إلى رومة وفر عنها أنوريش فحاربوها ودخلوها عنوة واستباحوها ثلاثا وتجافوا عن أموال الكنائس قال: ولما هلك أركاديش قيصر استبد أخوه أنوريش بالملك خمس عشرة سنة وأحسن في دفاع القوط عن رومة وهلك فولي من بعده طودوشيش ابن أخيه أركاديش ولم يذكر ابن العميد أنوريش وإنما ذكر بعد أركاديش ابنه طودوشيش وسماه الأصغر قال: وملك اثنتين وأربعين سنة باتفاق في خامسة ملك يزدجرد وكانت بينه وبين الفرس حروب كثيرة قال: وفي أول سنة من ملكه مات تاوفيلا بطرك إسكندرية فولي مكانه كيرلوس ابن أخته في سابعة عشر من ملكه قدم نسطوريش بطركا بالقسطنطينية فأقام أربع سنين وظهرت عنه العقيدة التي دان بها وقد تقدمت وبلغت مقالته إلى كيرلس بطرك الإسكندرية فخاطب في ذلك بطرك رومة وأنطاكية وبيت المقدس ثم اجتمعوا بمدينة أفسيس في مائتي أسقف وأجمعوا على كفرنسطوريش ونفوه فنزل أخميم من صعيد مصر وأقام بها سبع سنين وأخذ بمقالته نصارى الجزيرة والموصل إلى الفرات ثم العراق وفارس إلى المشرق وولى طودوشيش بالقسطنطينية مقسيموس عوضا عن نسطورس فأقام بها ثلاث سنين وفي ثامنة وثلاثين من ملك طودوشيش الأصغر مات كيرلس بطرك الإسكندرية وولي مكانه ديسقرس ولقي شدائد من مرقيان الملك بعده وفي سادسة عشرة من ملك طودوشيش الأصغر مات يزدجرد كسرى وولي ابنه بهرام جور وكانت بينه وبين خاقان ملك الترك وقائع ثم عدل عن حروبهم ودخل إلى أرض الروم فهزمه طودوشيش وملك ابنه يزدجرد قال هروشيوش: وفي أيام طودوشيش الأصغر تغلب القوط على رومة وملكوها وهلك ملكهم أبطريك كما نذكر في أخبارهم ثم صالحوا الروم على أن يكون لهم الأندلس فانقلبوا إليها وتركوا رومة انتهى.
قال ابن العميد: ثم ملك مرقيان بعده ست سنين باتفاق وتزوج أخت طودوشيش وسماه هروشيوش مركيان بن مليكة قالوا: وكان في أيامه المجمع الرابع بمقدونية وقد تقدم ذكره وإنه كان بسبب ديقوس بطرك إسكندرية وما أحدث من البدعة في الأمانة فأجمعوا على نفيه وجعلوا مكانه برطارس وافترقت النصارى إلى ملكية وهم أهل الأمانة فنسبوا إلى مركبان قيصر الملك الذي جمعهم وعهد بأن لا يقبل ما اتفق عليه أهل المجمع الخلقدوني وإلى يعقوبية وهم أهل مذهب ديسقوس وتقدم الكلام في تسميتهم يعقوبية وإلى نسطورية وهم نصارى المشرق وفي أيام مركيان سكن شمعون الحبيس الصومعة بأنطاكية وترهب وهو أول من فعل ذلك من النصارى وعلى عهده مات يزدجرد كسرى.
ومات مركيان قيصر لست سنتين من ملكه وملك بعده لاون الكبير قال ابن العميد: لسبعمائة وسبعين من ملك الإسكندرية ولثانية من ملك نيرون ملك ست عشرة سنة ووافقه هروشيوش على مدته وقال فيه ليون بن شمخلية قال ابن العميد: وكان على مذهب الملكية ولما سمع أهل إسكندرية بموت مركيان وثبوا على برطارس البطرك فقتلوه بعد ست سنين من ولايته وأقاموا مكانه طيماناوس وكان يعقوبيا فجاء قائد من قسطنطينية بعد ثلاث سنين من ولايته فنفاه وأبدل عنه سورس من الملكية وأقام تسع سنين ثم عاد طيماناوس بالأمر لاون قيص ويقال: إنه بقي بطركا اثنتين وعشرين سنة ولثانية عشر من ملك لاون زحف الفرس إلى مدينة آمد وحاصروها وامتنعت عليهم وفي أيامه مات شمعون الحبيس صاحب العمود.
ثم هلك لاون قيصر لست عشرة سنة من ملكه قال ابن العميد: وولي من بعده لاون الصغير وهو أبو زيتون الملك بعده وقال ابن بطريق: وهو ابن سينون وكان يعقوبيا وملك سنة واحدة ولم يذكره هروشيوش وإنما ذكر زينون الملك بعده وسماه سينون بالسين المهملة وقال ملك سبع عشرة سنة وقال ابن العميد مثله ولثمانية عشر من ملك نيرون ولسبعمائة وسبع وثمانين للإسكندر قال: وكان يعقوبيا وخرج عليه ولده ورجل من قرابته وحاربهما عشرين شهرا ثم قتلهما وأتباعهما ودخل قسطنطينية ووجد بطركها وكان رديء العقيدة قد غير كتب الكنيسة وزاد ونقص فكتب زينون قيصر إلى بطرك رومة وجمع الأساقفة فناظروه ونفوه وفي سابعة ملك زينون مات طيماناوس بطرك إسكندرية فولي مكانه بطرس وهلك بعد ثمان سنين فولي مكانه أثناسيوس وهلك لسبع سنين وكان قيما ببعض البيع في بطركيته وقال المسبحي: وفي أيام زينون احترق ملعب الخيل الذي بناه بطليموس الأرنبا بالإسكندرية وقال ابن بطريق: وفي أيام زينون هاجت الحرب بين نيرون والهياطلة وهزموه في بعض حروبهم ورد الكرة عليه بعض قواده كما في أخبارهم ومات نيرون وتنازع الملك ابناه قياد ويلاش وفي عاشرة من ملك زينون غلب يلاش أخاه واستقل بالملك ولحق أخوه قياد بخاقان ملك الترك ثم هلك يلاش لأربع سنين ورجع قياد واستولى على مملكة فارس وذلك في أربعة عشر من ملك زينون فأقام ثلاثا وأربعين سنة.
وهلك زينون لسبع عشرة من ولايته فملك بعده نسطاس سبعا وعشرين سنة في أربعة من ملك قيادة ولثمانمائة وثلاث للإسكندر وكان يعقوبيا وسكن حماة ولذلك أمر أن تشيد وتحصن فبنيت في سنتين وعهد لأول ملكه أن يقتل كل إمرأة كاتبة وفي ثالثة ملكه أمر ببناء مدينة في المكان الذي قتل فيه دارا فوق نصبين ثم وقعت الحرب بينه وبين الأكاسرة وخرب قياد مدينة آمد ونازلت عساكر الفرس إسكندرية وأحرقوا ما حولها من البساتين والحصون وقتل بين الأمتين خلق كثير وفي سادسة ملكه مات أثناسيوس بطرك الإسكندرية فصير مكانه يوحنا وكان يعقوبيا ومات لتسع سنين فصير بعده يوحنا الحسن ومات بعد إحدى عشرة وفي أيام نسطاس قدم ساريوس بطركا بأنطاكية وكان كلاهما على أمة ديسقوس وفي سابعة وعشرين من ملك نسطاس قدم ساريوس بطركا بإنطاكية يوحنا بطرك إسكندرية فولى مكانه ديسقوس الجديد ومات لسنتين ونصف.
وقال سعيد بن بطريق: إن إيليا بطرك المقدس كتب إلى نسطاس قيصر يسأله الرجوع إلى الملكية ويوضح له الحق في مذهبهم وصبا إليه في ذلك جماعة من الرهبان فأحضرهم وسمع كلامهم وبعث إليهم بالأموال للصدقات وعمارة الكنائس وكان بقسطنطينية رجل على رأي ديسقوس فمضى إلى نشطانش قيصر ومضى وأشار عليه باتباع مذهب ديسقوس وأن يرفض المجمع الخلقدوني فقبل ذلك منه وبعث إلى جميع أهل مملكته وبلغ ذلك بطرك أنطاكية فكتب إلى نشطانش قيصر بالملامة على ذلك فغضب ونفاه وجعل مكانه بأنطاكية سويوس وبلغ ذلك إلى إيليا بطرك القدس فجمع الرهبان ورؤساء الديور في نحو عشرة آلاف ولعنوا سويوس وأجرموه والملك نشطانش معه فنفاه نشطانش إلى إيليا وذلك في ثالثة وعشرين من ملكه فاجتمع جميع البطاركة والأساقفة من الملكية وأجرموا نشطانش الملك وسويوس وديسقوس إمام اليعقوبية ونسطورس قال ابن بطريق: وكان لسويوس تلميذ اسمه يعقوب البرادعي يطوف البلاد داعيا إلى مقالة سويوس ودسيقوس فنسب اليعاقبة إليه وقال ابن العميد: وليس كذلك لأن اليعاقبة سموا بذلك من عهد ديسقوس كما مر.
ثم هلك نشطانش لسبع وعشرين من ملكه وملك بعده يشطيانش قيصر لثمانية وثلاثين من ملك قياد بن نيرون ولثمانية وثلاثين للإسكندر وملك تسع سنين باتفاق وقال هروشيوش سبعا وقال المسبحي: كان معه شريك في ملكه اسمه يشطيان وفي ثالثة ملكه غزت الفرس بلاد الروم فوقعت بين الفرس والروم حروب كثيرة وزحف كسرى في آخرها لثمانية من ملك يشطيانش ومعه المنذر ملك العرب فبلغ الرها وغلب الروم وغرق من الفريقين في الفرات خلق كثير وحمل الفرس أسارى الروم وسباياهم ثم وقع الصلح بينهما بعد موت قيصر وفي تاسعة ملكه أجاز البربر من المغرب إلى رومة وغلبوا عليها قال ابن بطريق: وكان يشطيانش على دين المليكة فرد كل من نفاه نشطانش قبله منهم وصير طيماناوس بطركا بالإسكندرية وكان يعقوبيا فلبث ثلاث سنين وقيل سبع عشرة سنة وقال ابن الراهب: كان يشطيانش خلقدونيا ونفى طيماناوس البطرك عن إسكندرية وجعل مكانه أيوليناريوس وكان ملكيا وعقد مجمعا بالقسطنطينية يريد جمع الناس على رأي الخلقدونية مذهبه وأحضر شاويرش بطرك أنطاكية وأساقفة المشرق فلم يوافقوه فاعتقل بطرك أنطاكية سنين ثم أطلقه فسار إلى مصر وبقي مختفيا في الديور ثم وصل أيوليناريوس بطرك إسكندرية ومعه كتاب الأمانة الخلقدونية فقبل الناس منه وتبعوا مذهبه فيها وصاروا إليه.
وهلك يشطيانش لتسع سنين من ملكه ثم ملك يشطينانش قيصر لإحدى وأربعين من ملك قياد ولثمانمائة وأربعين للإسكندر وكان ملكيا وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله وقال المسبحي: بل كان شريكه كما مر وملك أربعين سنة باتفاق وقال أبو فانيوس: ثلاثا وثلاثين وفي سابعة ملكه غزا كسرى بلاد الروم وأحرق إيليا وأخذ الصليب الذي كان فيها وفي حادية عشر من ملكه عصت السامرية عليه فغزاهم وخرب بلادهم وفي سادسة عشر من ملكه غزا الحارث بن جبلة أمير غسان والعرب ببرية الشام وغزا بلاد الأكاسرة وهزم عساكرهم وخرب بلادهم ولقيه بعض مرازبة كسرى فهزمهم ورد السبي منهم ثم وقع الصلح بين فارس والروم وتوادعوا وفي خمس وثلاثين من ملك يشطينانش عهد بأن يتخذ عيد الميلاد في أربع وعشرين من كانون وعيد الغطاس في ست منه وكانا من قبل ذلك جميعا في سادس كانون وقال المسبحي: أراد يشطينانش حمل الناس على رأي الملكية فأحضر طيماناوس بطرك إسكندرية وكان يعقوبيا وأراده على ذلك فامتنع فهم بقتله ثم أطلقه فرجع إلى مصر مختفيا ثم نفاه بعد ذلك وجعل مكانه بولس وكان ملكيا فلم يقبله اليعاقبة وأقام على ذلك سنين.
قال سعيد بن بطريق: ثم بعث قيصر قائدا من قواده إسمه يوليناريوس وجعله بطرك إسكندرية فدخل الكنيسة بزي الجند ثم لبس زي البطاركة وقدس فهموا به فصار إلى سياستهم فاقصروا ثم حملهم على رأي اليعقوبية وقتل من امتنع وكانوا مائتين وفي أيام يشطينانش هذا ثار السامرة بأرض فلسطين وقتلوا النصارى وهدموا كنائسهم فبعث العساكر وأثخنوا فيهم وأمر ببناء الكنائس كما كانت وكانت كنيسة بيت لحم صغيرة فأمر بأن يوسع فيها فبنيت كما هي لهذا العهد وفي عهده كان المجمع الخامس بقسطنطينية بعد مائة وثلاث من الجمع الخلقدوني ولتاسعة وعشرين من ملك يشطينانش وقد مر ذكر ذلك وفي عهد قيصر هذا مات أيوليناريوس القائد الذي جعل بطركا بإسكندرية لسبع عشرة سنة عشرة سنة من ولايته وهو كان رئيس هذا المجمع وجعل مكانه يوحنا وكان أمانيا وهلك لثلاث سنين وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدموا عليهم طودوشيوش بطركا لبث فيهم اثنتين وثلاثين سنة وجعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش من كرسيه ستة أشهر ثم أمر يشطينانش قيصر بأن يعاد فأعيد وطلب منه المغامسة أن يقدم دقيانوش بطرك الملكية على الشمامسة فأجابهم ثم كتب يطشينانش إلى طودوشيوش البطرك باجتماع المجمع الخلقدوني أو يترك البطركية فتركها ونفاه وجعل مكانه بولس التنسي فلم يقبله أهل إسكندرية ولا ما جاء به ثم مات وغلقت كنائس القبط اليعقوبية ولقوا شدائد من الملكية ومات طودوشيوش البطرك في سابعة وثلاثين من ملكة يشطيانش وجعل مكانه بإسكندرية بطرس ومات بعد سنتين.
قال ابن العميد: وسار كسرى أنوشروان في مملكة يشطيانش قيصر إلى بلاد الروم وحاصر أنطاكية وفتحها وبنى قبالتها مدينة سماها رومة ونقل إليها أهل أنطاكية ثم هلك يشطيانش وملك بعده يشطيانش وملك بعده يوشطونش قيصر لست وثلاثين من ملم أنوشروان ولثمانمائة وثمانين للإسكندر فملك ثلاثة عشر سنة وقال هروشيوش إحدى عشرة سنة ولثانية من ملكه مات بطرس ملك إسكندرية فجعل مكانه داميانو فمكث ستا وثلاثين سنة وخربت الديور على عهده وفي الثانية عشر من ملكه مات كسرى أنوشروان بعد أن كان بعث العساكر من الديلم مع سيف بن ذي يزن من التبابعة ففتحوا اليمن وصارت للأكاسرة ثم هلك يوشطونش قيصر لإحدى عشرة أو ثلاث عشرة من ملكه وملك بعده طباريش قيصر لثالثة من ملك هرمز ابن أنوشروان ولثمانمائة واثنتين وتسعين للإسكندر فملك ثلاث سنين عند ابن بطريق وابن الراهب وأربعا عند المسبحي ولعهده انتقض الصلح بين الروم وفارس واتصلت الحرب وانتهت عساكر الفرس إلى رأس عين الخابور فثار إليهم موريق من بطاركة الروم فهزمهم ثم جاء طباريش قيصر على أثره فعظمت الهزيمة واستحر القتل في الفرس وأسر الروم منهم نحوا من أربعة آلاف غربهم إلى جزيرة قبرص ثم انتقض بهرام مرزبان هرمز كسرى وطرده عن الملك بمنجع من تخوم بلاد الروم وبعث بالصريخ إلى طباريش قيصر فبعث إليه المدد من الفرسان والأموال يقال كان عسكر المدد أربعين ألفا فسار هرمز ولقيه بهرام بين المدائن وواسط فانهزم واستبيح وعاد هرمز إلى ملكه وبعث إلى طباريش بالأموال والهدايا أضعاف ما أعطاه ورد إليه ما كانت الفرس أخذته من بلادهم وسألهم وغيرها ونقل من كان فيها من الفرس إلى بلاده وسأله طباريش بأن يبني هيكلين للنصارى بالمدائن وواسط فأجابه إلى ذلك.
ثم هلك طباريش قيصر وملك من بعده موريكش قيصر في السادسة لهرمز ولثمانمائة وخمس وتسعين للإسكندر وملك عشرين سنة باتفاق المؤرخين فأحسن السيرة وفي حادية عشر من ملكه بلغه عن بعض اليهود بأنطاكية أنه بال على صورة المسيح فأمر بقتلهم ونفيهم ولعهده انتقض على هرمز كسرى قريبه بهرام وخلعه واستولى على ملكه وقتله وسار ابنه أبرويز إلى موريكش قيصر صريخا فبعث معه العساكر ورد أبرويز إلى ملكه وقتل بهرام الخارج عليه وبعث إليه بالهدايا والتحف كما فعل أبوه من قبله مع القياصرة وخطب أبرويز من موريكش قيصر ابنته مريم فزوجه إياها وبعث معها من الجهاز والأمتعة والأقمشة ما يضيق عنه الحصر.
ثم وثب على موريكش بعض مماليكه بمداخلة قريبه البطريق قوقاص فدسه عليه فقتله وملك على الروم وتسمى قيصر وذلك لتسعمائة وأربع عشرة للإسكندر وخمس عشرة لأبرويز فملك ثماني سنين وقتل أولاد موريكش وأفلت صغير منهم فلحق بطور سينا وترهب ومات هنالك وبلغ أبرويز كسرى ما جرى على موريكش وأولاده فجمع عساكره وقصد بلاد الروم ليأخذ ثأر صهره وبعث عساكره مع مرزبانه خزرويه إلى القدس وعهد إليه بقتل اليهود وخراب البلد وبعث مرزبان آخر إلى مصر والإسكندرية وجاء بنفسه في عساكر الفرس إلى القسطنطينية وحاصرها وضيق عليها واما خزرويه المرزبان فسار إلى الشام وخرب البلاد واجتمع يهود طبرية والخليل وناصرة وصور وأعانوا الفرس على قتل النصارى وخراب الكنائس فنهبوا الأموال وأخذوا قطعة من الصليب وعادوا إلى كسرى بالسبي وفيهم ذخريا بطرك القدس فاستوهبته مريم بنت موريكش من زوجها أبرويز فوهبه إياها مع قطعة الصليب ولما خلت الشام من الروم واجتمع الفرس على القسطنطينية تراسل اليهود من القدس والخليل وطبرية ودمشق وقبرص واجتمعوا في عشرين ألفا وجاءوا إلى صور ليملكوها وكان فيها من اليهود نحو من أربعة آلاف فتقبض بطركها عليهم وقيدهم وحاصرهم عساكر اليهود وهدموا الكنائس خارج صور والبطرك يقتل المقيدين ويرمي برؤوسهم إلى أن فنوا وارتحل كسرى عن القسطنطينية جاثيا فأجفل اليهود عن صور وانهزموا.
وقال ابن العميد: وفي رابعة من قوقاص قيصر قدم يوحنا الرحوم بطركا على الملكية بإسكندرية ومصر وإنما سمي الرحوم لكثرة رحمته وصدقته وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بإسكندرية ولما سمع بمسير الفرس هرب مع البطريق الوالي بإسكندرية إلى قبرص فمات بها لعشر سنين من ولايته وخلا كرسي الملكية بإسكندرية سبع سنين وكان اليعاقبة بإسكندرية قدموا عليهم في أيام قوقاص قيصر بطركا إسمه أنشطانيوش مكث فيهم اثنتي عشرة سنة واسترد ما كانت الملكية استولت عليه من الكنائس اليعقوبية وجاء أثناسيوس بطرك أنطاكية بالهدايا سرورا بولايته فتلقاه هو بالأساقفة والرهبان واتخذت الكنيسة بمصر والشام وأقام عنده أربعين يوما ورجع إلى مكانه ومات أنسطانيوش بعد إثنتي عشرة من ولايته لثلثمائة وثلاثين من ملك ديقلاديانوس.
ولما انتهى أبرويز في حصار القسطنطينية نهايته وضيق عليها وعدموا الأقوات واجتمع البطارقة بعلوقيا وبعثوا السفن مشحونة بالأقوات مع هرقل أحد بطاركة الروم ففرحوا به ومالوا إليه وداخلهم في الملك وأن قوقاص سبب هذه الفتنة فثاروا عليه وقتلوه وملكوا هرقل وذلك لتسعمائة واثنتين وعشرين للإسكندر فارتحل أبرويز عن القسطنطينية راجعا إلى بلاده وملك هرقل بعد ذلك إحدى وثلاثين سنة ونصف عند المسبحي وابن الراهب واثنتين وثلاثين عند ابن بطريق وكان ملكته أول سنة من الهجرة وقال هروشيوش: لتسع وسماه هرقل بن هرقل بن أنطونيش.
ولما تملك هرقل بعث أبرويز بالصلح بوسيلة قتلهم موريكش فأجابهم على تقرير الضريبة عليهم فامتنعوا فحاصرهم ست سنين أخرى إلى الثمان التي تقدمت وجهدهم الجوع فخادعهم هرقل بتقرير الضريبة على أن يفرج عنهم حتى يجمعوا له الأموال وضربوا الموعد معه ستة أشهر ونقض هرقل فخالف كسرى إلى بلاده واستخلف أخاه قسطنطين على قسطنطينية وسار في خمسة آلاف من عساكر الروم إلى بلاد فارس فخرب وقتل وسبي وأخذا بني أبرويز كسرى من مريم بنت موريكش وهما قباد وشيرويه ومر بحلوان وشهرزود إلى المدائن ودجلة ورجع إلى أرمينية ولما قرب من القسطنطينية وارتحل أبرويز كسرى إلى بلاده فوجدها خرابا وكان ذلك مما أضعف من مملكة الفرس وأوهنها.
وخرج هرقل لتاسعة من ملكه لجمع الأموال وطلب عامل دمشق منصور بن سرحون فاعتذر بأنه كان يحمل الأموال إلى كسرى فعاقبه واستخلص منه مائة ألف دينار وأبقار على عمله ثم سار إلى بيت المقدس وأهدى إليه اليهود فأمنهم أولا ثم عرفه الأساقفة والرهبان بما فعلوه في الكنائس ورآها خرابا وأخبروه بمن قتلوه من النصارى فأمر هرقل بقتلهم فلم ينج منهم إلا من اختفى أو أبعد المفر إلى الجبال والبراري وأمر بالكنائس فبنيت.
وفي العاشرة من ملكه قدم أندراسكون بطركا لليعاقبة بإسكندرية فأقام ست سنين خربت فيها الديور ثم مات فجعل مكانه بنيامين فمكث سبعا وثلاثين سنة ومات والفرس يومئذ قد ملكوا مصر والإسكندرية وأما هرقل فسار من بيت المقدس إلى مصر وملكها وقتل الفرس وولى على الإسكندرية فوس وكان أمانيا وجمع له بين البطركة والولاية ورأى بنيامين البطرك في نومه شخصا يقول قم فاختف إلى أن يجوز غضب الرب فاختفى وتقبض هرقل على أخيه مينا وأراده على الأخذ بالأمانة الخلقدونية فامتنع فأحرقه بالنار ورمى بجثته في البحر ثم عاد هرقل إلى قسطنطينية بعد أن جمع الأموال من دمشق وحمص وحماة وحلب وعمر البلاد إلى أن ملك مصر عمرو بن العاص وفتحها لثلثمائة وسبع وخمسين لديقلاديانوس وكتب لبنيامين البطرك بالأمان فرجع إلى إسكندرية بعد أن غاب عن كرسيه ثلاث عشرة سنة.
قال ابن العميد: وانتقل التاريخ إلى الهجرة لإحدى عشرة من ملك هرقل وذلك لتسعمائة وثلاث وثلاثين للإسكندر وستمائة وأربع عشرة للمسيح قال المسعودي: وقيل إن مولده عليه السلام كان لعهد نيشطيانش الثاني الذي ذكر إنه نوسطيونس الذي بنى كنيسة الرها وأن ملكه كان عشرين سنة ثم ملك هرقل بن نوسيطونس خمس عشرة سنة وهو الذي ضرب السكة الهرقلية وبعده مورق بن هرقل قال: والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم لهرقل قال: وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعهد ابنه قيصر بن قيصر أيام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمرو عليه كان الفتح وهو المخرج من الشام قال ومدة ملكهم إلى الهجرة مائة وخمس وسبعون سنة.
قال الطبري: مدة ما بين عمارة المقدس بعد تخريب بختنصر إلى الهجرة على قول النصارى ألف سنة وتزيد ومن ملك الإسكندر إليها تسعمائة ونيف وعشرين سنة ومنه إلى مولد عيسى ثلثمائة وثلاث سنين وعمره إلى رفعه اثنان وثلاثون سنة ومن رفعه إلى الهجرة خمسمائة وخمس وثمانون سنة وقال هروشيوش إن ملك هرقل كانت الهجرة في تاسعته وسماه هرقل بن هرقل بن أنطونيوس لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح ولألف ومائة من بناء رومة والله تعالى أعلم.